الأحد، 26 مايو 2013

الجزء الثاني من البردة

تبارك الله ما وحيٌ بمكتسـَــبٍ ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهـــــمِ
كم أبرأت وصِباً باللمس راحتُـه وأطلقتْ أرباً من ربقة اللمـــمِ
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوتـُــه حتى حكتْ غرّةً في الأعصر الدُهُمِ
بعارضٍ جاد أو خِلْتُ البطاحَ بهـا سَيْبٌ من اليمِّ أو سيلٌ من العَـرِمِ
دعْني ووصفيَ آياتٍ له ظهــرتْ ظهورَ نارِ القرى ليلاً على علــمِ
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظــمٌ وليس ينقصُ قدراً غير منتظــمِ
فما تَطاولُ آمالِ المديح إلــــى ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيـمِ
آياتُ حق من الرحمن مُحدثـــةٌ قديمةٌ صفةُ الموصوف بالقــدمِ
لم تقترنْ بزمانٍ وهي تُخبرنـــا عن المعادِ وعن عادٍ وعـن إِرَمِ
دامتْ لدينا ففاقت كلَّ معجـزةٍ من النبيين إذ جاءت ولم تــدمِ
محكّماتٌ فما تُبقين من شبـــهٍ لِذى شقاقٍ وما تَبغين من حَكَــمِ
ما حُوربتْ قطُّ إلا عاد من حَـرَبٍ أعدى الأعادي إليها ملْقِيَ السلمِ
ردَّتْ بلاغتُها دعوى معارضَهــا ردَّ الغيورِ يدَ الجاني عن الحُـرَمِ
لها معانٍ كموج البحر في مـددٍ وفوق جوهره في الحسن والقيـمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبهــــا ولا تسامُ على الإكثار بالســــأمِ
قرَّتْ بها عين قاريها فقلتُ لــه لقد ظفِرتَ بحبل الله فاعتصـــمِ
إن تتلُها خيفةً من حر نار لظــى أطفأْتَ حر لظى منْ وردِها الشّبِـمِ
كأنها الحوض تبيضُّ الوجوه بـه من العصاة وقد جاؤوه كالحُمَــمِ
وكالصراط وكالميزان معْدلــةً فالقسطُ من غيرها في الناس لم يقمِ
لا تعجبنْ لحسودٍ راح ينكرهـــا تجاهلاً وهو عينُ الحاذق الفهـــمِ
قد تنكر العينُ ضوءَ الشمس من رمد وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من ســـقمِعليه وسلم
يا خير من يمّم العافون ســـاحتَه سعياً وفوق متون الأينُق الرُّسُـــمِ
ومنْ هو الآيةُ الكبرى لمعتبـــرٍ ومنْ هو النعمةُ العظمى لمغتنـــمِ
سَريْتَ من حرمٍ ليلاً إلى حــــرمِ كما سرى البدرُ في داجٍ من الظلمِ
وبتَّ ترقى إلى أن نلت منزلــةً من قاب قوسين لم تُدركْ ولم تُرَمِ
وقدمتْكَ جميعُ الأنبياء بهـــــا والرسلِ تقديمَ مخدومٍ على خــدمِ
وأنت تخترقُ السبعَ الطباقَ بهــم في موكب كنت فيه صاحب العلمِ
حتى إذا لم تدعْ شأواً لمســتبقٍ من الدنوِّ ولا مرقىً لمُسْـــــتَنمِ
خَفضْتَ كلَّ مقامٍ بالإضـــافة إذ نوديت بالرفْع مثل المفردِ العلــمِ
كيما تفوزَ بوصلٍ أيِّ مســــتترٍ عن العيون وسرٍ أيِّ مكتتـــــمِ
فحزتَ كل فخارٍ غير مشــــتركٍ وجُزْتَ كل مقامٍ غير مزدَحَــــمِ
وجلَّ مقدارُ ما وُلّيتَ من رُتـــبٍ وعزَّ إدراكُ ما أوليتَ من نِعَـــمِ
بشرى لنا معشرَ الإسلام إنّ لنـــا من العناية ركناً غير منهــــدمِ
لما دعا اللهُ داعينا لطاعتـــــه بأكرم الرسل كنا أكرم الأمـــمِالله عليه وسلم
راعتْ قلوبَ العدا أنباءُ بعثتــه كنْبأةٍ أجفلتْ غُفْلا من الغَنــــمِ
ما زال يلقاهمُ في كل معتــركٍ حتى حكوا بالقَنا لحماً على وضـمِ
ودُّوا الفرار فكادوا يَغبِطُون به أشلاءَ شالتْ مع العِقْبان والرَّخــمِ
تمضي الليالي ولا يدرون عدَّتَهـا ما لم تكنْ من ليالي الأشهر الحُرُمِ
كأنما الدينُ ضيفٌ حل سـاحتهم بكل قَرْمٍٍ إلى لحم العدا قَـــرِمِ
يَجُرُّ بحرَ خَميسٍ فوقَ ســـابحةٍ يرمى بموجٍ من الأبطال ملتَطِــمِ
من كل منتدب لله محتســـبٍ يسطو بمستأصلٍ للكفر مُصْطلِـــمِ
حتى غدتْ ملةُ الإسلام وهي بهمْ من بعد غُربتها موصولةَ الرَّحِــمِ
مكفولةً أبداً منهمْ بخـــير أبٍ وخير بعْلٍ فلم تيتمْ ولم تَئِــــمِ
همُ الجبال فسلْ عنهم مصادمهـم ماذا رأى منهمُ في كل مصطدمِ
وسلْ حُنيناً وسل بدراً وسل أُحداً فصولُ حتفٍ لهم أدهى من الوخمِ
المُصْدِرِي البيضِ حُمراً بعد ما وردتْ منَ العدا كلَّ مسودٍّ من اللِمَــمِ
والكاتِبِينَ بسُمْرِ الخَط ما تركتْ أقلامُهمْ حَرْفَ جسمٍ غيرَ مُنْعَجِــمِ
شاكي السلاحِ لهم سيما تميزُهـمْ والوردُ يمتازُ بالسيما عن السَّــلَمِ
تُهْدى إليك رياحُ النصرِ نشْرهـمُ فتَحسبُ الزهرَ في الأكمام كل كمِى
كأنهمْ في ظهور الخيل نَبْتُ رُباً منْ شِدّة الحَزْمِ لا من شدّة الحُـزُمِ
طارتْ قلوبُ العدا من بأسهمْ فَرقاً فما تُفرِّقُ بين الْبَهْمِ وألْبُهــــُمِ
ومن تكنْ برسول الله نُصـــرتُه إن تلقَهُ الأسدُ فى آجامها تجــمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصــرٍ به ولا من عدوّ غير منقصــــمِ
أحلَّ أمتَه في حرْز ملَّتـــــه كالليث حلَّ مع الأشبال في أجَــمِ
كم جدَّلتْ كلماتُ الله من جدلٍ فيه وكمْ خَصَمَ البرهانُ من خَصِـمِ
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ مُعجــزةً في الجاهلية والتأديب في اليُتُمِالله عليه وسلم
خدْمتُه بمديحٍ استقيلُ به ذنوبَ عمرٍ مضى في الشعر والخِــدَمِ
إذْ قلّدانيَ ما تُخْشي عواقبُــه كأنَّني بهما هدْيٌ من النَّعَـــمِ
أطعتُ غيَّ الصبا في الحالتين وما حصلتُ إلاّ على الآثام والنـــدمِ
فياخسارةَ نفسٍ في تجارتهـــا لم تشترِ الدين بالدنيا ولم تَسُــمِ
ومن يبعْ آجلاً منه بعاجلــــهِ يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سَـلمِ
إنْ آتِ ذنباً فما عهدي بمنتقض من النبي ولا حبلي بمنصـــرمِ
فإنّ لي ذمةً منه بتســــميتي محمداً وهو أوفى الخلق بالذِمـمِ
إن لّم يكن في معادي آخذاً بيدى فضلاً وإلا فقلْ يا زلةَ القــــدمِ
حاشاه أن يحرمَ الراجي مكارمَـه أو يرجعَ الجارُ منه غير محتــرمِ
ومنذُ ألزمتُ أفكاري مدائحــه وجدتُهُ لخلاصي خيرَ مُلتــــزِمِ
ولن يفوتَ الغنى منه يداً تَرِبـتْ إنّ الحيا يُنْبِتُ الأزهارَ في الأكَمِ
ولمْ أردْ زهرةَ الدنيا التي اقتطفتْ يدا زُهيرٍ بما أثنى على هَـــرمِالحاجات
يا أكرمَ الخلق ما لي منْ ألوذُ بـه سواك عند حلول الحادث العَـمِمِ
ولن يضيق رسولَ الله جاهُك بــي إذا الكريمُ تجلَّى باسم منتقـــمِ
فإنّ من جودك الدنيا وضرّتَهــا ومن علومك علمَ اللوحِ والقلـــمِ
يا نفسُ لا تقنطي من زلةٍ عظمــتْ إنّ الكبائرَ في الغفران كاللــممِ
لعلّ رحمةَ ربي حين يقســــمها تأتي على حسب العصيان في القِسمِ
يارب واجعلْ رجائي غير منعكِـسٍ لديك واجعل حسابي غير منخــرمِ
والطفْ بعبدك في الدارين إن له صبراً متى تدعُهُ الأهوالُ ينهــزمِ
وائذنْ لسُحب صلاةٍ منك دائمــةٍ على النبي بمُنْهَلٍّ ومُنْسَــــــجِمِ
ما رنّحتْ عذباتِ البان ريحُ صــباً وأطرب العيسَ حادي العيسِ بالنغمِ
ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمـرٍ وعن عليٍ وعن عثمانَ ذي الكـرمِ
والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهُــمْ أهل التقى والنَّقا والحِلمِ والكـرمِ
يا ربِّ بالمصطفى بلِّغْ مقاصـدنا واغفرْ لنا ما مضى يا واسع الكـرم
واغفر إلهى لكل المسلمين بمــا يتلوه فى المسجد الأقصى وفى الحرم
وبجاه من بيْتُهُ فى طيبة حــرمٌ وإسمُهُ قسمٌ من أعظــم القســم
وهذه بردةُ المختار قد خُتمـتْ والحمد لله في بدإٍ وفى ختــــم
أبياتها قدْ أتتْ ستينَ معْ مائـةٍ فرّجْ بها كربنا يا واسع الكـــرم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق